منشوراتنا

دعا في حوار مع «النهار» لإنشاء محاكم للشركات بمعزل عن الدوائر التجاري , عندما يتحدث الخبير تختلف الرؤية، هذا ما لمسناه من مضمون الحوار الشامل الذي أجرته «النهار» مع الخبير القانوني والاسم اللامع في دوائر القانون والمال والأعمال المحامي البارز عبد الحميد الصراف الذي أكد بدوره أن القانون الجديد للشركات رقم (25) لسنة 2012 خلق حلقات رقابة معينة لكن تأخر اللائحة التنفيذية عطل تفعيل بعض النصوص القائمة وهو بالمنطق ليس حلاً، مشدداً على أن صدوره خالياً من عقوبات شخصية رادعة وليست رمزية على المسؤولين في الشركات حال ثبوت تجاوزهم جعله قاصراً للغاية. وأوضح الصراف أن اللائحة التنفيذية المنتظرة لن تتمكن من سد ثغرات القانون الجديد باعتبار أن التجربة العملية قد تسفر عن نقاط وأماكن معينة تحوي فجوات كان يلزم تلافيها بطرحه في استفتاء عام لبعض الاختصاصيين من المستثمرين والاستشاريين القانونيين، حتى لا يكتمل هيكله بصدور اللائحة ويكون عرضة لتحركات تستهدف تكسيره، فيما أكد وجود شركات يلزم تصفيتها منذ فترة، مستغرباً من سكوت «التجارة « عنهم رغم توفر نص قانوني جرم هذه الحالة لكنه لم يفعلها للآن وفيما يلي تفاصيل الحوار : 

الشركات ومجتمع المال والأعمال تركوا الاستثمار وتفرغوا لمتابعة القوانين والتشريعات الجديدة وكذلك النزاعات القضائية التي حدثت على وقع أزمة 2008، أين الحلول السريعة من الكويت وقد استخدمتها دول أخرى لتطويع أسلوبها تنظيمياً وتشريعياً؟

ما أشبه اليوم بالبارحة على ساحة الاقتصاد المحلي وقد وضعتم أيديكم على الجرح، ولذلك سأبدأ بتناول تجارب الدول الأخرى حتى نقرب المفاهيم، فمع وجود النظام الضريبي لدى البعض منهم هناك مراجعات تتم من الموظفين الرسميين في الجهات المختصة لمراقبة الضريبة وسياقها وكل ما يتعلق بها من ناحية التحصيل، وفي الكويت بعض الشركات الخفيفة في أعبائها تمثل شيء بسيطاً جداً بالنسبة للجانب الرقابي بينما العكس صحيح لدى الأغلبية الباقية، ولذلك سأعود للأصل العام في الشق الرقابي ويفترض أن يكون وسيلة تنوب عن المساهمين والمدققين المحاسبيين وكذلك وكيلاً عن الشركة وآخر عن الشركاء بجانب العاملين في الجوانب المتصلة بالتدقيق المالي والإداري اجمالاً، ولو تصورنا أنهم وضعوا أيديهم على معلومة معينة يجب أن يطلعوا عليها المساهمين طالما أنها تخص حقوقهم المالية في هذه الشركة، وأتصور أن هذا لا يحدث في الغالب كما يجب أن يكون، ما يعني بالتبعية أننا نواجه خللاً في الأداء المحاسبي يتعلق بالميزانيات السنوية رأساً، علماً بأن أداء المدققين مهما كان مرهون بعطاء الإدارة فيما يخص الميزانية، وهنا عندي سؤال هل تتفهم الجهات الرقابية ذلك؟، «أشك».

واستكمالاً لحلقة الربط سأعود معكم للقانون الجديد للشركات رقم (25) لسنة 2012 الذي خلق حلقات رقابة معينة لكن مع الأسف تأخر اللائحة التنفيذية عطل تفعيل بعض النصوص القائمة وهو بالمنطق ليس حلاً، وعلى فرض أن «التجارة» وضعت اشتراطات للرقابة على الشركات تمكنها من فحص الميزانيات، فان سلطاتها وفقاً لمرئيات حالية تبدو مقصورة لتحديد وحصر المعاضل التي تعاني منها هذه الشركات بالأخص في الجوانب الفنية والمالية والحوكمة والهيكلة بقائمة طويلة حدث فيها ولا حرج، فعلى أي أساس ستهيمن الوزارة وتفرض يدها الرقابية على المؤسسات التي تخضع لها في هذا الجانب تحت مظلة القانون.

على هذا النحو، أين تقع الثغرة طالما أن الجهات الرقابية حصلت على ما يكفي من الصلاحيات بسند قانوني؟

الحاصل أن هناك انفلات أمني في هذه المسألة حيث يوجد شركات مفلسة « تقنياً « ومع ذلك مستمرة في السوق وتتعايش حتى في ظل الرقابة، بالرغم أن النصوص الأخيرة للقانون الجديد حوكمت هذا الموضوع وفرضت عقوبة على الأشخاص الذين يثبت تورطهم بعقوبات تصل للسجن، بحيث إذا تعدى أحد على المال العام يعاقب، في حين أن وزارة واحدة من معطياتها أن تقوم بفحص الميزانيات سنوياً لنجد في النهاية أنفسنا أمام مجموعة من الشركات مفلسة، وبعضهم رأس ماله متآكل بنسبة تجاوزت 75 في المئة، وهنا مكمن الخطورة ونحتاج لوقفة من خلال شركات متخصصة ليس في القضايا التجارية فقط لكن في كل ما يتعلق بالقضايا الخاصة باختصاصات وزارة التجارة وهذا طبعاً لن يحدث إلا بتوسيع الدوائر وتخصيص 5 دوائر منفصلة مثالاً وليس حصراً تفصل في قضايا الشركات بالسرعة المطلوبة شريطة أن تعمل بمعزل عن الدوائر التجارية، وهذا ما جنحت إليه كثير من الدول اطلعت على تجاربهم عن قرب بحكم موقعي كخبير استشاري وقد حسموا أمرهم وعزلوا قضايا الشركات في محاكم مختصة اختزالاً للوقت وحماية لحقوق المساهمين، أما نحن فيؤلمني أن أقول أن لدينا قصور في أدوات الرقابة والتشريع سببه عدم صدور اللائحة التنفيذية في موعدها واستباق القانون للأحداث والآن نحن بصدد مرور 6 أشهر فاصلة على اللائحة يقدرها أهل السوق وغيرهم بـ 6 سنوات بمنطق المصلحة وهذا حقهم، وربما تكون «التجارة « قد تركت فرصة أكبر للشركات حتى تتمكن من تصحيح أوضاعها، وهو أمر يدعو للاستغراب بمكان لأنهم يعلمون أن القدرات المتوافرة محدودة والطاقة البشرية التي يمكنها أن تقوم بهذا العمل ليست كافية لكنها في النهاية فرصة للتصحيح من الطرف الذي سيخضع أصلاً لعملية التطبيق وهي الشركات.

على فرض أن هناك فرصة، فهل ستنجح الشركات في تصويب مسارها تجاوباً مع القانون الجديد؟

إصلاح ما أفسده الدهر لن يتم من خلال شركات تعاني من وضع سيئ للغاية، وانظروا للإعلانات التي تصدر يومياً وتؤكد ذلك بالوقائع والأرقام، أما القانون الجديد فقد صدر خالياً من أية عقوبات تتعلق بشخوص المتجاوزين، وعلى هذا النحو فهو «قاصر جدا» وكان لزاماً شموله بعقوبات شخصية على المسؤولين في الشركات حال ثبوت تجاوزهم، وأنا هنا أتحدث عن عقوبات رادعة وليست رمزية على طريقة مخالفة المرور «خالف وادفع 5 دنانير » حتى تحدث المردود على مجتمع المال والأعمال بل والمجتمع ككل، ناهيك عن كم الشركات الصادر في مختلف القطاعات ولا يعقل أبداً أن تكون الرقابة عبارة عن عملية تحصيل تقوم بها الجهات المختصة طواعية وتتقدم من خلالها الشركات كي تخضع نفسها للسلطة الرقابية وتؤمن جانبها، أو أن هذه الجهة لها مفتشين معنيين بتقييم الشركات حتى يتم الوقوف على حالتها وهذا أمر غير طبيعي، وحتى الآن لا يوجد في القانون الكويتي شيئ اسمه أن هناك معنيين من الوزارة بالتفتيش على هذه الشركات، فالانتقال إلى مقر هذه الشركات مخالف، في حين أن « المركزي « وضع ضوابط صارمة تطبق على البنوك وبعض الشركات تمارس نشاطات مالية مقابلة للبنوك والمفتشين يتوجهون مباشرة للمصارف ويقوموا بالفحص على أسس مهنية، أما الشركات فتعاني فجوات واضحة بالعين المجردة لا تحتاج تفكير عميق.

دعنا نصل إلى نقطة أبعد، إذا كان هناك قصور وثغرات، فمن يتحمل مسؤوليتها؟

بصراحة، المسؤولية تقع على من أصدروا القانون الجديد على عواهنه وهم يعلمون أن به مخالفات من هذا النوع حتى أصبح يمنح حرمة وحصانة لهذه الشركات فيما يتعلق بالانتقال والتفتيش تحقيقاً للهدف الرقابي الشامل وقد أجريت عليه تعديلات كثيرة ومن الحسرة بمكان أن نقول لهم عالجوا الثغرات مرة أخرى، فالجهة التشريعية عادت عليه مرات عدة وأخذ حقه لكن قصور أداء المستشارين القانونيين المعنيين بوضع التشريع بهذا الشكل بائن، حتى فوجئنا في يوم ما أن تعديلاته تجاوزت الـ 70 تعديلا ونحن نقول لا يعاب على الأفراد ما يعاب على الدولة، فأمامنا تحدٍ كبير لفرض سلطان القانون من قبل الجهات المختصة حفاظاً على أموال المستثمرين والمساهمين من الضياع نتيجة وجود شركات تنفق بسخاء على الإدارة في وقت لا يوجد فيه لا إدارة ولا نشاط.

بعض الشركات تعرضت للشطب بقرار، علماً بأنها أسست بقانون، ما تعليقك على ذلك؟

هذا اجراء وقتي المقصود به اعطاء فرصة للشركة لتصحيح أوضاعها، ولو كان صدر قانون آخر فبالتالي يتعذر على المشرع اصدار قانون كل يوم لمجرد معالجة وضع يخص شركة أو شركتين، والأصلح هو شطب الشركة شطباً يعوقها عن القيام بأقرب وأدق التزاماتها وهو دعوة المساهمين، فإذا تعذر اصلاح وضعها فيتم التعامل بقرار آخر يكون جاهز ومستعد للظهور والمواجهة حال التأكد من تراخي الشركة عن تنفيذ مسببات الشطب بعد انذرها، والمشكلة هنا تكمن في أن القانون صارم مع الشركات ككيان لكنه لا يمس إداراتها مما يوقع أضرارا على المساهمين الذين أوكلوا أمرهم لهؤلاء.

هل نضج التشريع الكويتي بما يكفي للتعامل مع معطيات الاستثمار المختنق بعد الأزمة، وأعني هنا انشاء محاكم اقتصادية مختصة على غرار ما يحدث في دول أخرى؟

الجهة الرقابية تمتلك أدوات تمكنها من تصحيح مسار المخطئ، أو على الأقل تخرجه من دائرة الرقابة بما يجعل الشركة في حالة عقوبة، ووجود محاكم اقتصادية سيجعل هيبة القانون تسود لكن للأسف الشديد لا نستطيع أن نقول هذا الكلام في المطلق لأننا لسنا في حاجة إلى قوانين بقدر احتياجنا لقرارات وهي الأداة الأصلية للوزارات المعنية ومن ضمنها «التجارة»، وعدم اصدار القرار في التوقيت المناسب ظلم للأشخاص والمستثمرين، ونحن على يقين كخبراء في القانون أن هناك شركات يلزم تصفيتها اليوم قبل غداً وأتساءل لماذا تسكت « التجارة « عنهم؟، على الرغم من توفر نص قانوني جرم هذه الحالة لكنه لم يفعلها حتى الساعة، وإذا كنا ننتظر انقضاء المهلة لتصدر اللائحة التنفيذية بعدها على هذا النحو المتواتر، فأؤكد أنه اتجاه يحمل أخطاء في التطبيق، أما المغزى الرئيس من هذا التصرف فيبدو غير معلوم حتى الآن على الأقل.

وماذا سيكون الموقف لو مرروا محاكم اقتصادية مختصة بالشركات فقط لفض هذا الاشتباك، هل ستحدث تأثيراً؟

تجربة الإنسان الآخر ليست قيدا على باقي التجارب، لكن في مراحل الكمال نبحث عن أفضل صورة وصلت إليها الدول الأخرى ووقتها لا باس من النسخ والتقليد، وأؤكد بخط أحمر أن بعض الدول سبقتنا، ما يدعوني للاستغراب هل هي عنجهية أو قصور أو عدم موائمة التشريعات المتقدمة للكويت؟، علماً بأن بلدانا خليجية أحرزت خطوات قوية في المجال التشريعي منها دبي لديها الآن محكمة للتحكيم ومن يفصل فيها قضاة انجليز تم الاستعانة بهم عن قناعة أنهم سدنة القانون التجاري والاستفادة من خبراتهم التراكمية عبر سنوات طوال تم استثمارها على النحو الأمثل، بينما الكويت ركزت على مدارس معينة لم تشهد تطوراً بالشكل المطلوب في الجانب التشريعي وتخلفت تشريعاتها في توقيت ما تقوم بتعديله الآن ليناسب المناخ التجاري ومتغيراته الإقليمية والعالمية، وهنا نتحدث عن مثال يخص بيع المحل التجاري فهذه المقولة غير مسندة قانونياً، لأن المحل التجاري فيما يتعلق بعقد الايجار الموقع مع المؤجر يجعل الملك خاص ومنفصل، فأصبح ادخال هذا المصطلح في القانون والحالة الكويتية لا يقدم أي ميزة لأنك لا تستطيع أصلاً سحب المحل من المستأجر وهو جزء من تجارته بما يحتويه من سمعة وأموال مستثمرة، وهنا نجد أنفسنا قاصرين تشريعياً لمجرد تطبيق منسوخ لا يناسبنا.

هل ينطبق ذلك على قانون الشركات الجديد وتعديلاته؟

رغم أن التعديلات التي أجريت على هذا القانون كانت ممتازة وبذل فيها مجهود كبير حقيقيةً، لكن ما لم يتمه القانون يفترض أن يستكمل بالقرارات باعتبار أن أي تشريع عند وضعه يتناول جانب معين أو جوانب عدة وحتى نستطيع تعميم تطبيقه وفائدته يجب أن يكون هناك سعة في القرارات، ولذلك أرى أن هناك عبئ كبير على «التجارة» لم تستطع أن تقوم به حتى الساعة وترتكب أخطاء قاتلة ومعلومة ومذكورة وترفع للوزير وهو رجل دولة نشط ويقوم بدور مجتمعي متميز يفعل من خلاله الحوار ويستمع لوجهات النظر على مختلف الأصعدة والمسارات من خبراء القانون وغيرهم، لكن هناك مفارقات كثيرة في بعض النصوص المحاكم نفسها تقف أمامها حائرة وكما يقول الفقه القانوني «أن القاضي يعرف القانون» ومن يعرف يطبق، وهذا لا يمنع وجود حالات يستعصي على القاضي البت فيها بسبب قصور في النص غير أنه مضطر في النهاية للتصدي لها.

اللائحة التنفيذية للشركات ستصدر، وأمامها القانون الجديد وبه ثغرات، هل ستكون مؤهلة لسدها؟

أجابتي هنا قاطعة بـ «لا»، وأتحدى، التجربة العملية قد تسفر عن نقاط وأماكن معينة فيها فجوات ولهذا دائماً نتحدث عن طرح القانون في استفتاء عام لبعض الاختصاصيين من المستثمرين وأقصد الشركات باعتبارهم الجهة التي سيطبق عليها التشريع بلائحته التنفيذية عقب صدورها وكذلك الاستشاريين القانونيين، بدلاً من اسناد الموضوع برمته لـ «الفتوى» وهي قاصرة أن تؤدي دورها ومزحومة بكمية كبيرة من قضايا الدولة وعدد لا بأس به من الاستشارات، وإذا اعتمدت على المستشاريين الموجودين في دوائر صنع القرار فهذا أيضاً لا يكفي، لأن الواقع العملي أمر آخر يلزم باستشارة أهل الخبرة والدراية ومن ضمنهم الدوائر القضائية المختصة حتى يرصدوا العيوب وطريقة علاجها، تلافياً لاكتمال هيكل القانون بصدور اللائحة ونفاجئ بعدها بتحركات لتكسيره.

وماذا لو صدرت وبقي الحال على ما هو عليه، كيف تقرأ ردة فعل السوق؟

سيحكم السوق ومستثمروه بفشل الجهة المعنية باصداره، وفي فلسفة القانون يقولون أن الناس حكمها ربما يكون ظالماً لكن في معظم الأحوال تستشف نوعاً من الحس لدى الشارع من خلاله يحكم على الأحداث وان كان الحكم الخاص لا يجوز القياس عليه باعتبار انه لا توجد قضية واحدة تكفي لتكوين نظرية، وهذه هي طبيعة العمل الإنساني الذي يصنعه بشر دائماً منقوص، ولذلك أقول «سددوا وقاربوا» واستشيروا.

لماذا يخشى صناع القرار من اشهار افلاس الشركات رغم وجود اختلالات هيكلية واضحة من تآكل رؤوس الأموال إلى صعود معدل الالتزامات فوق الموجودات وغيرهما؟

فنياً، أربط هذا الجانب بقانون اعادة الهيكلة وهو عبارة عن اعطاء فرصة للشركات بالحد الأعلى بنص دارج وموجود في بلدان عدة وقد تعرضت له أنا شخصياً في دراستي بالخارج، وهو متوفر في القانون الأميركي فقرة (11) ويتيح افساح مجال للشركة لإعادة هيكلة نفسها ومنحها فرصة جائز فيها التمديد والقاضي هنا يصبح هو الجمعية العمومية ويستطيع اشهار افلاس الشركة، ونحن في الكويت تبنينا هذا الجانب وأسندناه للمحكمة، لكن هناك ثغرة في المسألة نتيجة ارث تاريخي ورثناه من مصدر تشريعي في دولة معينة، وفي الماضي لم تجد لديها شركات مفلسة بسبب أن معظم الشركات هناك قطاع عام وهي باقية بذاتها والنظرة للافلاس في هذه الحالة لا تخرج عن كونه طاعون يمكن أن يحل بالبلد، والآن في الكويت لو أفلست وحدة اقتصادية معينة مرتبطة بتوابع سواء كانت شركات زميلة أو تابعة، فإن افلاس الأم سينعكس بالتبعية على الفروع ومن هنا نشأت رهبة من افلاس الشركات في سوقنا المحلي، وهو مقوم له أسبابه حيث أن البلد تعتمد على التجارة والاستثمار منذ زمن طويل لكن الموروث الذي تحدثت عنه أوجد لدينا مخاوف مستمرة من شيطان اسمه الافلاس، وهو في الأصل يعتبر تنظيف للمجتمع التجاري من بعض الوحدات المريضة حتى لا ينتقل وبائها للأصحاء، بينما الضرورة والعقل تحكم بالقضاء عليها حتى لا ينتشر المرض في باقي الجسم السليم.

عمليات التدقيق المحاسبي خضعت لتباين في الآراء البعض يراها سليمة وآخرون لا، ما رؤيتك الاستشرافية للدور الذي يمكن أن تلعبه لضبط الايقاع؟

مدققو الحسابات لهم دور رئيس باعتبارهم وكلاء عن المساهمين، ومع ذلك لم أقرأ حتى اليوم توصية لمحاسب يوصي فيها أما بزيادة رأس المال أو تصفية الشركة، وأحياناً يحدث ذلك عند دعوة العموميات في «التجارة» نسمع عن أشياء من هذا القبيل وهو خطأ يجب على المشرع علاجه، وتصويبه لا يحتاج لقوانين بل حزمة قرارات ذات صفة الزامية أشدد عليها دائماً، حتى لا نكون «كمن قضى باعدام القاتل ثم وضعه في السجن»، كذلك الحال بالتشبيه بالنسبة لعدم تطبيق القانون فهو يعني عدم وجوده أصلاً وطالما وضعته يجب أن تطبقه وان كانت أدوات التطبيق ناقصة تستكمل في مواعيدها ولا أحد يمنع ذلك.

لاحظنا تعقيدات كبيرة تمر بها عملية تصفية الشركات حال فرضت الضرورة استخدامها، كيف يتم فك هذه الشيفرة؟

«التجارة» من أخطر الوزارات الموجودة في الكويت حالياً ولديها كم هائل من الاختصاصات المرتبطة بالأداء الاقتصادي في المجمل، ولذلك أشدد دائماً على أن يكون لديها جيش مجيش قادر على مراقبة الشركات بالأخص التي تخلت عن مقدراتها وساء وضعها في السوق وأثرت على غيرها، علماً بأن التصفية تأخذ وقت وليس هناك رقابة على المصفيين إلا بالجمعية العمومية، لدرجة وصلت أن بعضهم يأخذ من 400 إلى 500 ألف دينار وكل ما تمتلكه الشركة المصفاة 200 ألف دينار فقط وهنا يوجد خلل جوهري في مراقبة المصفيين وهم يرفعون تقاريرهم للمحكمة، وأضيف على ذلك بأن مرفق القضاء نفسه لديه ما يكفي من القضايا بكم هائل بلغ 55 ألف قضية في السنة مما أحدث تزاحم غريب من نوعه، أما عدد القضاة فمهما بلغت قدرتهم لا يستطيعون الفصل في هذا الكم فما بالنا بقضايا الافلاس التي تستغرق في المحاكم من 10 إلى 15 سنة مما يمثل خطورة على حقوق الدائنين، فإذا كان وضع النزاعات المتعلقة بالإفلاس متعثر فلنبحث عن ألية أخرى من خلالها نعالج الوقت المهدور ونخلق أدوات أكثر فاعلية تصلح للتعامل مع المال.

الشطب حسب تحليلك على حالته الحالية يأخذ طابعاً انذارياً، ما الحال عندما تكون جهة القرار في مواجهة مع الشطب النهائي؟

الأصل العام أن «التجارة « في مراقبتها للشركات تستهدف عنصرين غاية في الأهمية هما حماية حقوق المساهمين وحماية الاقتصاد الوطني، وسأتناول الجانب الثاني بالتفصيل من حيث مكوناته بداية بالتجار وهم يمارسون المهنة بالصفة الشخصية أو «بأنفسهم « وكذلك الشركات وأمرها الرقابي وحوكمتها في يد الوزارة، لكن يبقى السؤال كيف سيتم تفعيل التعامل معها بدون قوى بشرية بحيث لو اعتمدنا هيكلة صحيحة للافلاس تمكنا بالتبعية من تنظيف السوق وتسليط سيف القانون على المتجاوزين، مع العلم أن المحكمة تحتاج خبير يدقق الحسابات وهو أمر يستغرق من عامين إلى ثلاث أعوام، وليس المقصود بذلك فحص التصرفات التي تمت لاخبار القاضي بما كان لدى الشركة المفحوصة ويترك المساهمون وشأنهم فهذا غير صحيح، لكننا نستهدف اقامة دعوى شاملة الأركان لحماية الاقتصاد الوطني بشكل صريح وواضح يرمي لحوكمة الشركات أو محاكمتها طالما أننا ننتظر بالسنين.

والأغرب من هذا كله أن قضايا الافلاس تدخل في الاستئناف والتمييز أي أنها تتعامل مع الوقت والمال بهدوء شديد جداً، ونحن في دولة قيل عنها في الماضي أن «الكويتيون سريعون في التجارة وشطار لأنهم شمسهم حارة لا ينتظرون تحتها طويلاً».

قانون الإفلاس موجود، لماذا لا يفعل تجاه الشركات المصابة بأعطاب مفصلية ومع ذلك مستمرة؟

هو جزء من قانون التجارة، وفي السابق واللاحق هناك معالجة للافلاس وهي تتوقف على عنصرين هما المساهمون والجهات الرقابية، والمساهمون في هذه الحالة يطلبون تصفية الشركة، في حين ينطلق الإفلاس من المحكمة من واقع أن موجودات الشركة المرشحة للتصفية أقل من مطلوباتها بكثير وليس هناك رجاء في انتعاشها، ورغم ذلك كله لم نسمع في يوم عن جمعية عمومية اجتمعت لتنقذ شركة من الإفلاس أو التصفية، والأشد من هذا أن هناك بعض الشركات رؤوس أموالهم في التأسيس عبارة عن قرض من بنك مدة أسبوع وبعد انقضاؤه يرد مرة أخرى، وهنا نكون بصراحة أمام مال غير حقيقي دخل السوق دون أن يراقبه أحد.

هل تشعر بأمان على أموال واستثمارات المساهمين بالأخص الصغار في ظل هذا البطئ في حسم النزاعات المالية؟

وضعنا مقارنة بدول الخليج في هذا الجانب سيئ، وبعضهم يؤسس الشركات في ساعات تصل إلى أيام معدودة على أصابع اليد، أما في الكويت المشكلة تكمن في الاتساع العددي في الجهاز الإداري حتى أصبحت المعاملة تمر على مجموعة موظفين في دائرة كاملة تنتهي بالمكتب رقم (10) لمجرد استصدار توكيل، بينما العلاج متوفر وواضح لا يحتاج لجهد مضني في اعمال مبدأ الثواب والعقاب ومحاصرة الروتين الذي صنعنا منه فزاعة أصبحنا اليوم نخاف منها ونبحث لها عن حل.

توجد تجارب ناجحة في مجال التحكيم التجاري، ما نصيب الكويت منها؟

هناك فرصة سانحة بانتهاء النموذج العالمي للأمم المتحدة فيما يتعلق بالتحكيم والكويت كانت حاضرة وقد حضرت شخصياً جانب من المؤتمرات، وهو وسيلة منظمة لتسريع عجلة فض المنازعات بعيداً عن المعوقات، وان كنا نتبع اجراء سيئ بتصنيف سجلين واحد للمحكمين وآخر للمصفيين «وانت وحظك»، وكنت أرى أن يخضع الجميع لاختبارات دورية للتأكد من صلاحيتهم في عمل له ضوابط بعضها دولي وصعب حتى لا ينتشر في السوق المحلي بصورة غريبة كما يحدث اليوم ولا أدري على أي أساس، علماً بأن التحكيم له مجموعة من الاجراءات رسمها القانون ولو سألت عنها جزء ممن يمتهنوها وليس كلهم ستجد النتيجة لا شيء.

وفي الجانب الفني للمسألة سنجد أنهم فتحوا الباب للطعن في قضايا التحكيم أمام محكمة التمييز، وهو الأمر الذي قلل تأثير اللجوء إليه بغرض اختصار الوقت بالأخص في القضايا المالية والاستثمارية ما أتاح للخصم الرد بالطعن في التمييز لنعود لمربع الاجراءات الطويلة ويفقد التحكيم أثره كأداة فاعلة في حسم النزاعات، وقلت وأكرر أن الأصوب لقضايا التحكيم اسنادها لدوائر معنية تسرع الفصل فيها بدلاً من تركه ينتحر قبل أن يلعب دوره المفترض.

تقيمك لأداء الدوائر المختصة بالفصل في الشؤون الاقتصادية ونزاعات الاستثمار والتجارة والشركات؟

هناك روتين معتاد وكسره لا يتأتى إلا بزيادة عدد القضاة والخبراء، فنحن نعايش حالة تزاحم القضايا ولا يصلح فيها تبسيط الاجراءات لانه سيخل بالعدالة، ولذلك سأكون دبلوماسياً وأقتبس مقولة الخبير رمزي سيف عام 1949 « ان الوسيلة الوحيدة لجعل القضاة يفصلون في القضايا هي اكثار دوائرها « وليس تحديد موعد لفصل القاضي في القضية المعروضة أمامه وأريد هنا أن أطرح مثالاً بالخبير الذي يناقش من 20 إلى 30 قضية تقريباً، بينما 10 قضايا فقط معدل يزيد عن طاقته مقابل ساعات العمل الرسمية المعروفة مما يؤدي إلى البطئ وفقهاء القانون في فرنسا يقولون « أن البطئ في العدالة ظلم».


وسعوا سلطات المحاسبين

فيما يتعلق بتحصين أدوات التدقيق المحاسبي أوضح الصراف أن جمعية المحاسبين وهي جمعية وليست نقابة، لا يوجد لديها السلطات الكاملة في الفصل والعزل، وهذه الصورة لا يمكن الاكتفاء بها ولا تحقق المصالح المستهدفة للشركات ومساهموها، لافتاً إلى ضرورة توسيع سلطات الجمعية بشكل كامل كي تتمكن من محاسبة من ينتسب إليها اذا ثبت تقصيره بحيث إذا اشتكي عندها أصبح لديها سلطة قريبة من السلطة القضائية، فيما بين أن وضعها كجمعية أقصى حد يمكن أن تفعله هو سحب ترخيص من يزاول المهنة تحت مظلتها إذا خالف القواعد الأساسية للعمل، فيما أشار إلى أن الخلل في بعض القوانين والتشريعات يتطلب اصلاحه اجراءات حاسمة وجذرية تضع في الاعتبار أن التشريع لا يخاطب فرد أو مجموعة من الأشخاص لكن مجتمع كامل بكل قطاعاته ومن ضمنها شريحة الشركات وصناع المال والأعمال.

منع مخالفات البورصة «ورقي»

في تقييمه للجانب الرقابي لسوق الكويت للأوراق المالية بعد صدور القانون رقم (7) لسنة 2010 أفاد الصراف أن أول صدوره وقعت مشاكل عويصة جداً كادت تفقده أهميته، أما الآن فقد أصبح السوق يكتسب جدوى كبرى وان كان مازال حديث وناشئ ولايقارن بأسواق قديمة لها باع كبير كان يجب دراسة نهجها والسير على خطاها، فيما شدد على أن الجهات المعنية بسوق الأوراق المالية لابد أن يكون لها دور أوسع في الرقابة حتى تتمكن من اتخاذ الاجراء الاحترازي اللازم لمنع المخالفة والتصدي لها، منبهاً أن الاحترازات القائمة حالياً تبدو حبرا على ورق في ظل وجود مطلبات كثيرة تحتاج للمزيد من الجهد والعمل حتى لا تهدم مصداقية العمل الرقابي في ظل ما نطالعه عن وجود تلاعبات وأشياء أخرى تحتاج للشدة والحسم طالما أن هناك قانون مستقل قائم ومطبق يلزم تفعيله بالحد الأعلى.



الصفحة السابقة


جميع الحقوق محفوظة 2016 - تصميم وبرمجة الجاز