رأى المحامي والخبير القانوني عبد الحميد الصراف أن الطمع وانعدام الخبرة وراء الأزمات الاجتماعية الطاحنة التي يعانيها المتداولون ورجال الأعمال في بورصة الكويت ، معلقاً باقتضاب عن خسائر البورصة بما يقارب من 3 مليارات ونصف منذ بداية العام بأن "كل متداول ورجل أعمال في البورصة يريد أن يكون مليونيراً في 5 دقائق". وأوضح أن من يقولون بتدخل الدولة لنجدة المتداولين من حريق البورصة واهمون لأن الوقت غير مناسب ولأن الدولة لم تدفع أحد للمغامرة بمدخراته وأموال التقاعد الخاصة به دون دراسة وعلى كل صاحب قرار أن يتحمل تبعات قراراته.
أزمة البورصة
وقال الصراف إن جزءاً من الأزمة التي تعانيه البورصة ما يتعلق بكثرة التعديلات على قانون هيئة أسواق المال وهو ما أفقده الثقة والاستقرار التشريعي المطلوب، لافتاً أن القانون قد يكون أحد الأسباب التي أدت لاهتزاز الثقة بالسوق وأفقد الكثير من المتداولين مدخراتهم وبالتالي دفع ذلك بالكثيرين منهم إلى المحاكم لاستجداء حقوقهم التي أحرقتها البورصة أملاً في الحصول على ما طار منها، لافتاً أن الاسهال التشريعي ليس مطلوباً ، كما أنه من المعيب لأي قانون يصدر أن تكون تعديلاته هي الأصل والقانون هو الاستثناء.
وأكد الصراف أن القانون الحالي لهيئة أسواق المال بحاجة إلى تعديلات كثيرة جداً رغم ما أجرى عليه من تعديلات مؤخراً ، قائلاً من المعيب أن تصدر قانوناً وتجري كل هذا الكم من التعديلات في وقت قصير جداً.
تداعيات اجتماعية
وعن تداعيات البورصة وتأثيرها على الأوضاع الاجتماعية للكثير من المواطنين ، قال الصراف إن الاشكالية في سلوك المتداولين أن الجميع يريد أن يكون مليارديراً في 5 دقائق وهذا ناتج عن طمع الأفراد ورغبتهم في أن يكونوا أثرياء بأي ثمن وهو الأمر الذي يذكرنا بما حدث في أزمة المناخ ورغبة الجميع في أن يكونوا أثرياء في لمح البصر جعل الثراء في واقع الامر امراً معيباً وحول الملايين الى ورق والكثير تحولوا بين يوم وليلة إلى مفلسين.
وما حدث أمر طبيعي بسبب أن الكثير من رجال الأعمال يعتقدون أن أيام المناخ يمكن أن تعود من خلال البيع على سلع قيمتها الظاهرة بالملايين ولكنها في واقع الأمر كانت "ورقية" ، والبورصة ليست صناعة عادية ولكنها تخضع لتقييم خبراء ومتخصصين وعندما يقوم أحد المواطنين ببيع بيته والتداول بقيمة البيت في البورصة دون وعي أو إدراك فتلك كارثة كبيرة عليه وعلى أسرته وهو أمر لا يتحمل تبعاته سواه وبالتالي فإن افتقاد الخبرة في البورصة أحد الأسباب التي أضرت البورصة والمواطن في آن واحد ودفعت الكثيرين إلى السجن أو التفكك الأسري.
غياب الخبرة
وبالتالي فإن النصيحة دائماً اللجوء إلى الخبير في بيع أو شراء الأسهم وليس الاعتماد على التحليل الشخصي والمجازفة بالشرف الرفيع وهي أموالك ومدخراتك دون وجه حق يعد أمراً مريراً وتدفع ثمنه الأسر الكويتية وفي اعتقادي أن المجازفة والخطر وراء التداعيات الاجتماعية الخطيرة التي تتعرض لها الأسر وتؤدي إلى آثار اجتماعية مدمرة . وفي الوقت الذي يتحدث فيه العديد من الخبراء عن سحابة اقتصادية قاتمة تطال الكثير من الدول ومنها اقتصاديات دول الخليج تحتاج إلى إعادة نظر وتدبر مرة أخرى ، وبالتالي المجازفة بالأموال في هذا الوقت لا يتحمله سوى المتداول.
وعما إذا كانت مطالبات البعض للدولة بالتعويض عن أمواله المهدرة ، أجاب الصراف وهل الدولة دفعت المتداولين للمخاطرة والمجازفة دون دراسة محسوبة حتى تقوم بتعويضه.
عجز الموازنة
وقال أعتقد أن تدخل الحكومة بأدواتها الاقتصادية لنجدة المتداولين في البورصتة هو أمر غير مناسب في ظل احتمالات عجز الموازنة وبحث الدولة عن آليات تمويل العجز في وقت تتراجع فيه اسعار النفط التي تعد العصب الاقتصادي والعمود الفقري لتلك الدول.
وعن تزايد قضايا المتداولين المرتبطة بالعجز عن سداد القروض وغيرها ، قال الصراف هذه الظاهرة موجودة في كل الدول وتتزايد بتشابك وتعقد الظواهر الاقتصادية وبالتالي هناك زيادة في تلك القضايا ولكن ليس هناك احصائيات دقيقة تصدر عن أعداد المواطنين الذين يحكم عليه بالسجن بسبب عدم سداد قروض البنوك ولأن البنوك أنفسهم يعتبرون الأمر فيه نوعاً من السرية حتى لا تظهر إدارات البنوك في موقف سلبي أمام الجهات الرقابية.
وقال الصراف الكثير من القصص والحكايات التي نراها كمكاتب محاماة كثيرة ومتشابكة ومتعددة والكثير من السيدات تبكيك قصص ذويهم ممن حكم عليهم بالسجن بسبب البورصة أو العجز عن سداد القروض وغيرها والمتداولين لا يشعرون بها في كثير من الأحيان ولكن من يشعر بها هي الزوجة والأولاد حين تفقد عائلها الوحيد ومصدر دخلهم.
ولا يتوقف الأمر عند حد البورصة والمتداولين وإنما قد يمتد الأمر إلى كوارث مالية ترتبط ببعض البنوك بسبب اختلاسات أو سرقة أموال المودعين من قبل بعض معدومي الضمير أو أن يكون غسيل الأموال كارثة حقيقية قادمة قد تؤدي إلى اهتزاز الثقة في أداء بعض البنوك المحلية وهناك قضايا تحتاج إلى حسم تشريعي وإجراءات تمنع حدوث كوارث على المدى البعيد.
أزمة إدارة
وعن القوانين التي صدرت مؤخراً ولم تؤدي إلى إحداث المطلوب منها على المدى البعيد ، أشار الصراف إلى أن هناك قوانين تطبق على البعض ولا تطبق على آخرين ، فهناك شركة ما تم الغاء ترخيصها على أساس أنها خسرت رأسمالها وهو إجراء صحيح ، إلا أنك تندهش عندما تجد شركة أخرى تخضع لقانون الشركات وخسرت فوق رأسمالها 80 مليون دينار ولم تلمسها يد المشرع رغم أن القانون الذي تخضع له الشركتين واحد وبالتالي أزمة البيئة الاقتصادية في الكويت ليست تشريعية ولكنها في واقع الأمر أزمة إدارة. وبالتالي الإدارة التي تقوم بتطبيق التشريعات الاقتصادية إما أنها فاشلة أو إدارة ملوثة لأنها تقوم بتطبيق القانون على أفراد وتترك آخرين.
أفضل قانون
وأبدى الصراف اعتقاده أنه من العيب أن تصدر قانوناً وتجري عليه تعديلات بعد صدوره بفترة قصيرة ، قائلاً في اعتقادي أن القانون بحاجة إلى تعديلات كثيرة ، وبالتالي فإن غياب صفة الاستقرار عن قانون هيئة أسواق المال لكثرة ما تم عليه من تعديلات.
وأشار إلى أن اهتزاز تلك الثقة بالقوانين يجعل أمراً معيباً ، مشيراً إلى أن المعايير الصحية للقوانين تقول أن أفضل قانون هو الأقل كلفة وأقل تعديلاً وأن يكون تشريعه شاملاً ، إنما أن يكون هناك تشريع وتصبح تعديلاته هي الأصل والقانون هو الاستثناء ، فهذا عيب كبير في التشريع واللوم هنا قد يقع على المشرع أو على الفتوى والتشريع. وعما إذا كانت تعديلات هيئة أسواق المال الأخيرة غير كافية ، أوضح أن التعديلات لا يقصد كفايتها ، من عدمه، ولكنها في واقع الأمر تعبر عن واقع نقص يتداركها المشرع وهذا التدارك يجب أن يكون في حدود ضيقة ولكن أن تصبح تلك التعديلات هي الأصل والتشريع هو الاستثناء تصبح الأمور في هذه الحالة غير متزنة وتعبر عن حالة عدم اليقين.
الصفحة السابقة